اللغة الثالثة ووسائل التواصل
اللغة الثالثة ووسائل التواصل
الاعلامي وكاتب صحافي : عبدالعزيز قاسم
• هل ستجبرنا وسائل التواصل الاجتماعي على اللغة الثالثة؟
لمّا تزل الجدلية الأزلية بين الفصحى والعامية تطفو للسطح في كل آن، منذ العصرالعباسي وليومنا، وطرحت –كاتب السطور– قبل أشهر بعيدة، مع ثلة ممن يعانون فيالكتابة عبر شاشة الجوال الصغيرة؛ مسألة الكسرة للمخاطبة والمؤنث، والاستعاضةعنها بالياء=
• كانت الفكرة تتكئ للتخفيف وتمييز المخاطب، بسبب بعض الصعوبة في إيجاد الكسرة في تلكم الشاشة الصغيرة، وانحيازًا لسرعة الكتابة، كي لا تفلت الفكرة ونحن نبحث عن تلكم الحركات. بيد أن دهاقنة الفصحى وحرّاس اللغة قاموا بالاعتراض الشديدعلى ذلك، واستمر ضعيفو اللغة باستخدام الياء بالكتابة، لنجد أنفسنا أمام لغة التواصلالاجتماعي بكل أخطائها.
• ابتسمتُ بالأمس، وأنا أقرأ مقالة بعنوان: (جَدَلٌ في مستقبل الفصحى والعاميّات: قراءة في نظريّة اللّغة الثالثة) للدكتور رياض قاسم، يذكر فيه أن توفيق الحكيم واجه معضلة اللغة في نصوصه المسرحية، فلجأ إلى اللغة الثالثة في العام 1956، مقدمًا نصًّامسرحيًّا بعنوان “الصفقة“، يزعم فيه أن هذه المسرحيّة تعالج “مُشكلة اللّغة“.
• اللغة الثالثة التي طرحها توفيق الحكيم هي لغةٌ على قدرٍ عالٍ من المرونة في اختيار المُفردات، واقتدار على النَّسج الجماليّ؛ ما يعني أنّها تبدو – للوهلة الأولى – مكتوبةً بالعاميّة، جرّاء سهولة المكتوب، مفرداتٍ وتراكيب؛ ثمَّ، إذا أعاد الشخص قراءة هذا النصّ، طِبْقاً لمعايير الفصحى، فإنّ النصّ، والقارئ، يَنعَمان بمناخ الفصحى “على قدرِ الإمكان“.
• لقي اقتراح توفيق الحكيم –بحسب رياض القاسم– تجاوبًا من عَدَدٍ من الكُتّاب والنقّاد، ولعلّ أبرز مَن أشاد بنظريّة اللّغة الثالثة هو الشاعر نزار قبّاني الذي طالما أبدى ضجره من هذه “الازدواجيّة” اللّغويّة؛ فهو يقول في اعترافٍ موجز إنّ الازدواجيّة تبدو كتحدٍّ لغويّ، بحيث نتمنّى أن نصل إلى لغةٍ واحدة، وهي التي أسميت اللّغة الثالثة.
• يكمل قباني دفاعه عن هذه اللغة الثالثة: “ونحن مُمَزَّقون بين لغتَين؛ الطفل في البيت والشارع يتكلّم لغة، وفي المدرسة يتكلّم لغة، ونحن في المقهى نتكلّم لغة، وفي الجامعة نتكلّم لغة…”. وهذه “اللّغة” برأيه “تأخذ من اللّغة الأكاديميّة منطقها وحِكمتها ورصانتها، ومن اللّغة العاميّة حرارتها، وشجاعتها، وفتوحاتها الجريئة“.
• هناك وصفٌ دقيقٌ لهذه اللغة الثالثة المقترحة، ليس مجالها هنا للتناول، من مثل جواز إدخال ألفاظ وتراكيب أعجميّة جديدة واستعمالها في اللّغة العِلميّة أو التجاريّة، بيد أن ما استلفتني، وهو صميم هذه التغريدات، قول أحد دعاتها، وهو د. أحمد محمّد المعتوق، صاحب كتاب “نظريّة اللّغة الثالثة – دراسة في قضيّة اللّغة العربيّة الوسطى“
• يقول المعتوق أن أكثر الأمور تنظيرًا في الكِتاب، هو المَوقف من مسألة الإعراب، التييراها المؤلِّف ضروريّة للّغة الوسطى، شريطة أن تَخضع هذه اللّغة المُقترَحة لنظامٍ إعرابي سَلِسٍ، مُيسّر، وقانونٍ صَرفيّ مَرِن. ويقترح المؤلِّف أن يُناط بمَجامِع اللّغة هذه المهمّة الهادفة إلى التيسير والتبسيط.
• لطالما طولب فقهاء الشرع بمسألة العصرنة وتيسير الأحكام الفقهية، وتناول الاعلام العربي بشكل عام هذه القضية بضراوة، ولا أدري السبب في عدم مطالبتنا أساطين اللغة العربية بالعصرنة وتيسير أحكام الاعراب والمرونة، خصوصًا ونحن إزاء استبدادٍ قسريٍ، وتسلطٍ فاضحٍ للمفردات الغربية على لغة أجيالنا، والله أعلم.
غرد بها
1
هل ستجبرنا وسائل التواصل الاجتماعي على اللغة الثالثة؟
لمّا تزل الجدلية الأزلية بين الفصحى والعامية تطفو للسطح في كل آن، منذ العصر العباسي وليومنا، وطرحتُ قبل أشهر بعيدة، مع ثلة ممن يعانون في الكتابة عبر شاشة الجوال الصغيرة؛ مسألة الكسرة للمخاطبة والمؤنث،والاستعاضة عنها بالياء=— عبدالعزيز قاسم (@azizkasem) April 1, 2021